غزوة بدر الكبرى هي إحدى اهم معارك المسلمين التي خاضوها في عهد الرسول الأعظم – صلى الله عليه وسلم -، ضد كفار قريش وهي معركة الفرقان لأنها فرقت الحق عن الباطل، وهي معركة إذا أردنا أن نقيسها بالمعايير المادية، وجدنا أن النتائج والنصر يصبان في مصلحة المشركين فهم أكثر عدداً وعدة، لكن الله تعالى خيب ظنهم ونصر الطائفة المؤمنة عليهم، فعدد قادة الكفر والطغيان الذي قتلهم المسلمون في هذه المعركة هو عدد هائل، فقد قتل أغلب سدنة الكفر والضلال الذين آذوا المسلمين وآذوا الرسول ومنعوه من إتمام دعوته التي بعث بها. لهذه الأسباب أخذت هذه المعركة كل هذه الاهمية العظيمة عبر التاريخ الإسلامي. وقعت هذه المعركة العظيمة في السنة الثانية من الهجرة النبوية الشريفة.
محتويات
لماذا سميت غزوة بدر الكبرى
غزوة بدر الكبرى هي الغزوة التي حدثت في السّنة الثّانية للهجرة، وسمّيت بذلك للتفريق بينها وبين غزوة بدر الصّغرى، والتي حدثت في السّنة الرّابعة للهجرة، حيث أنّه لما استدار العام، وتنفيذًا للموعد الذي كان أبو سفيان قد اقترحه في أعقاب معركة أحد، والتزام الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ به، فقد خرج النّبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ في شعبان من السنّة الرّابعة للهجرة، من المدينة على رأس جيش من أصحابه، وكان قوام الجيش ألف وخمسمائة مقاتل، وذلك لكي ليواجهوا أبا سفيان وقومه، ويديروا رحى الحرب مرّةً أخرى.
قال ابن القيم في زاد الميعاد:" قال أبو سفيان عند انصرافه من أُحُد: موعدكم وإيانا العام القابل ببدر، فلما كان شعبان، وقيل: ذو القعدة من العام القابل خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لموعده في ألف وخمسمائة، وكانت الخيل عشرة أفراس، وحمل لواءه علي بن أبي طالب، واستخلف على المدينة عبد الله بن رواحة ، فانتهى إلى بدر، فأقام بها ثمانية أيام ينتظر المشركين، وخرج أبو سفيان بالمشركين من مكة، وهم ألفان ومعهم خمسون فرسا، فلما انتهوا إلى مر الظهران - على مرحلة من مكة - قال لهم أبو سفيان: إن العام عام جدب، وقد رأيت أني أرجع بكم، فانصرفوا راجعين، وأخلفوا الموعد، فسميت هذه بدر الموعد، وتسمى بدر الثانية ". (1)
وأمّا فيما يخصّ غزوة بدر الكبرى، فقد حدثت في السّنة الثّانية للهجرة، عندما كانت قريش قد صادرت جميع أموال المهاجرين من المسلمين مع رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - وتربّصت حتى تنال منهم بكلّ الوسائل، وبالتالي رغب المهاجرون في إضعافها والضّغط عليها، وذلك من خلال التعرّض لقوافلها التجاريّة، التي تمرّ قريباً من المدينة المنوّرة وهي في طريقها إلى الشّام، وقد علم المسلمون حينها أنّ قافلةً كبيرةً يقوم على حراستها ثلاثون رجلاً، وهي تحمل أموالاً عظيمةً لقريش، وكانت في طريقها من الشّام إلى مكة، فقام الرّسول - صلّى الله عليه وسلّم - بندب أصحابه حتى يخرجوا لأخذها، فخرج ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً، معهم سبعون بعيراً يتعاقبون على ركوبها، ولكنّهم أرادوا شيئاً وأراد الله غيره، قال سبحانه وتعالى:" وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين "، الأنفال/7.
أحداث غزوة بدر الكبرى
بلغ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - ما كان من أمر انصراف عير قريش من الشّام في رمضان على رأس ثلاثة عشر شهراً من الهجرة، وهي بصبحة أبي سفيان بن حرب، وهي العير التي خرجوا في طلبها لمّا خرجت من مكّة، حيث كانوا أربعين رجلاً، وكانت الحافلة مليئةً بأموال كثيرة لقريش.
حيث ندب النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - النّاس للخروج لملاقاة هذه العير، وخرج مسرعاً من ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، وكان معهم من الخيل مجموعة فرسان، هم: الزّبير بن العوّام، والمقداد بن الأسود الكندي، وكان معهم سبعون بعيراً، يركب الرّجلان والثّلاثة على البعير الواحد تعاقباً.
وقد استخلف النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - على المدينة وعلى الصّلاة ابن أم مكتوم، ولمّا كان بالرّوحاء ردّ أبا لبابة بن عبد المنذر، واستعمله على المدينة، وأمّا أبو سفيان فقد بلغه أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قد خرج لملاقاته، فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاريّ إلى مكة، حتى يستصرخ قريش للنّفير ليحموا عيرهم، ويمنعوها من محمّد وأصحابه.
ثمّ سار رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم إلى بدر بعد أن استشار أصحابه، واستطاع أبو سفيان أن ينجو بالقافلة، ثمّ كتب إلى قريش:" أن ارجعوا، فإنّكم إنّما خرجتم لتحرزوا عيركم "، ولمّا أتاهم الخبر وقد كانوا بالجحفة، أرادوا الرّجوع، لكنّ أبو جهل قال لهم:" والله لا نرجع حتى نقدم بدراً، فنقيم بها، ونطعم من حضرنا من العرب، وتخافنا العرب بعد ذلك "، وق أشار الأخنس بن شريق عليهم بالرّجوع لكنّهم عصوه، فرجع هو وبنو زهرة ولم يشهدوا بدراً.
وقد سار النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - بأصحابه حتى نزل أدنى ماء من مياه بدر، فقال:" أشيروا عليَّ في المنزلِ، فقال الحُبابُ بنُ المُنذِرِ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أرأيتَ هذا المنزِلَ، أمنزِلٌ أنزَلَكَه اللهُ ليس لنا أن نتقدَّمَه ولا نتأخَّرَه؟ أم هو الرَّأيُ، والحَربُ، والمكيدَةُ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: بل هو الرَّأيُ، والحَربُ، والمكيدَةُ. قال: فإنّ هذا ليس بمنزِلٍ، انطلِقْ بنا إلى أدنى ماءِ القومِ . . "، فقد أراد أن ينزل عليها ويسبق القوم إليها، ويغوّر ما سواها من المياه.
ثمّ سار المشركون وهم يريدون المياه، وبعث النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - عليّاً، وسعداً، والزّبير إلى بدر، يلتمسون الخبر، فقدموا بعبدين لقريش، وكان رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قائماً يصلّي، فسألهما أصحابه: من أنتما؟ قالا: نحن سقاة لقريش، فلمّا سلّم رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال لهما: أخبراني أين قريش؟ قالا: وراء هذا الكثيب، فقال: كم القوم؟ فقالا: لا علم لنا، فقال: كم ينحرون كل يوم؟ فقالا: يوماً عشراً، ويوماً تسعاً، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: القوم ما بين تسعمائة إلى الألف.
ثمّ سبق رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - وأصحابه إلى الماء، وصنعوا الحياض، ثم غوّروا ما عداها من المياه، ونزل رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - وأصحابه على الحياض. ثمّ قام النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - ورفع يديه، واستنصر ربّه وقال:" اللهمَّ ! أَنجِزْ لي ما وعدتَني، اللهمَّ آتِ ما وعدتَني، اللهمَّ إن تهلِك هذه العصابةُ من أهلِ الإسلامِ لا تُعبدُ في الأرض ".
وقد كان من جملة من حضر بدراً من المسلمين ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، حيث كان من المهاجرين ستة وثمانون رجلاً، ومن الأوس واحد وستون رجلاً، ومن الخزرج مائة وسبعون رجلاً، وقد نصر الله عزّ وجلّ المسلمين في بدر واذلّ فيها المشركين. (2)
عدد غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم
لقد ورد في صحيحي مسلم والبخاري أنّه قيل لزيد بن أرقم:" كم غزا النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - من غزوة؟ قال: تسع عشرة، قيل: كم غزوة أنت معه؟ قال سبع عشرة قلت، ـ القائل هو ابو اسحاق السبيعي الرّاوي عنه - فأيّهم كانت أوّل؟ قال: العسيرة أو العشيرة "، ونقل أهل السّير أنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قدا غزا خمساً وعشرين غزوةً، وقيل أنّها كانت سبعاً وعشرين غزوةً، وقيل أنّها تسع وعشرون.
وقد أورد الحافظ ابن حجر طريقةً للجمع بين هذه الأقوال، ومنها أنّ الذين أشاروا إلى العدد الكبير من الغزوات قاموا باحتساب كلّ واقعة لوحدها، حتى وإن كانت كلها قريبةً من بعضها من ناحية الزّمن، وأنّ من أشاروا إلى عدد الغزوات القليل أو المتوسّط قاموا ربّما بجمع غزوتين متقاربتين في الزّمان معاً، وبالتالي احتسبوهما على أنّهما غزوة واحدة، مثل غزوة الخندق، وبني قريظة، وحُنين، والطائف.
وأمّا السّرايا التي بعثها النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - فقد كانت أكبر عدداً من الغزوات، وهناك في خلاف في عددها، فهمي من نحو الأربعين إلى السّبعين سريةً، وقد أشار الحافظ في الفتح في آخر كتاب المغازي:" وقرأت بخطّ مغلطاي أنّ مجموع الغزوات والسّرايا مائة ". (3)
وفي روايات أخرى ذُكر أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قد غزا بنفسه سبعاً وعشرين غزوةً، وأنّه بعث سبعاً وأربعين سريّةً، وأنّه قاتل في تسع غزوات هي: بدر، وأحد، والمريسيع، والخندق، وقريظة، وخيبر، وفتح مكّة، وحُنين، والطائف. وأمّا في روايات أخرى فقد ذكر أنّه قد قاتل في بني النّضير أيضاً، ولكنّ الله سبحانه وتعالى قد جعلها له نفلاً خاصّاً، وقد قاتل في غزوة وادي القرى بعد انصرافه من خيبر، وقاتل في الغابة. (4)
وقد غزا النّبي غزوات عديدة، نذكر منها على النّحو التالي: (5)
المراجع
(1) بتصرّف عن مقال غزوة بدر الثانية/ 30/12/2012/ مركز المقالات/ إسلام ويب/ islamweb.net
(2) بتصرّف عن كتاب غزوات النبي صلى الله عليه وسلم/ السيد الجميلي/ دار ومكتبة الهلال- بيروت/ الجزء الأول.
(3) بتصرّف عن فتوى رقم 4463/ عدد غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وسراياه/ 7-7-2000/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net
(4) بتصرّف عن كتاب عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير/ محمد بن محمد بن سيد الناس أبو الفتح فتح الدين/ دار القلم بيروت/ الطبعة الأولى
(5) بتصرّف عن كتاب إنارة الدجى في مغازي خير الورى صلى الله عليه وآله وسلم/ حسن بن محمد المشاط المالكي/ دار المنهاج- جدة/ الطبعة الثانية.
المقالات المتعلقة بلماذا سميت غزوة بدر الكبرى